والداك لن يأخذا منك حريتك | جلال أمين
لا زلت أشعر ببعض الألم و وخز الضمير حتى الآن، كلما تذكرت منظر أبي و
هو جالس في الصالة وحده ليلا، في ضوء خافت، دون أن يبدو مشغولا بشيء على الإطلاق، لا
قراءة و لا كتابة، و لا الاستماع إلى الراديو، و قد رجعت أنا لتوي من مشاهدة فيلم سينمائي
مع بعض الأصدقاء. أحيي أبي فيرد التحية، و أنا متجه بسرعة إلى باب حجرتي وفي نيتي أن
أشرع فورا في النوم، بينما هو يحاول استبقائي بأي عذر هروبا من وحدته، و شوقا إلى الحديث
في أي موضوع.
يسألني أين كنت فأجيبه، و عمن كان معي فأخبره، و عن اسم الفيلم فأذكره،
كل هذا بإجابات مختصرة أشد الاختصار وهو يأمل في عكس هذا بالضبط. فإذا طلب مني أن أحكي
له موضوع الفيلم شعرت بضيق، و كأنه يطلب مني القيام بعمل ثقيل، أو كأن وقتي ثمين جدا
لا يسمح بأن أعطى أبي بضع دقائق.
لا أستطيع حتى الآن أن أفهم هذا التبرم الذي كثيرا ما يشعر به شاب صغير
إزاء أبيه أو أمه، مهما بلغت حاجتهما إليه، بينما يبدي منتهى التسامح و سعة الصدر مع
زميل أو صديق له في مثل سنه مهما كانت سخافته و قلة شأنه. هل هو الخوف المستطير من
فقدان الحرية و الاستقلال، وتصور أي تعليق أو طلب يصدر من أبيه أو أمه و كأنه محاوله
للتدخل فى شئونه الخاصة أو تقييد لحريته؟ لقد لاحظت أحيانا مثل هذا التبرم من أولادي
أنا عندما أكون في موقف مثل موقف أبى الذي وصفته حالا، وإن كنت أحاول أن أتجنب هذا
الموقف بقدر الإمكان لما أتذكره من شعوري بالتبرم و التأفف من مطالب أبي.
ولكني كنت
أقول لنفسي إذا اضطررت إلى ذلك:
إني لا أرغب في أكثر من الاطمئنان على ابني هذا، أو في أن أعبر له عن اهتمامي
بأحواله و مشاعره، فلماذا يعتبر هذا السلوك الذي لا باعث له إلا الحب، و كأنه اعتداء
على حريته و استقلاله ؟
لا تنسى أن تشارك الموضوع مع أصدقائك و أحبابك :)
والداك لن يأخذا منك حريتك |
No comments:
Post a Comment