أحب العاملين | جبران خليل جبران

أحب العاملين | جبران خليل جبران
أحب الذي يشتغل بفكره فيبتدع من التراب صورا حية جميلة نافعة، و أحب ذلك الذي يجد في حديقة ورثها عن أبيه شجرة تفاح واحدة،   فيغرس إلى جانبها شجرة ثانية، و ذلك الذي يشتري كرمة تثمر قنطارا من العنب، فيعطف عليها و يدللها لتعطي قنطارين، و أحب الرجل الذي يتناول الأخشاب المهملة، فيصنع منها مهدا للأطفال، أو قيثارة للأنغام، و الرجل الذي يقيم الصخور التماثيل و المنازل و الهياكل.

أحب الذي يحول الطين إلى آنية زيت، أحب الذي يحوك من القطن قميصا و من الصوف جبة و من الحرير رداءا. و أحب الحداد الذي ما أنزل مطرقته على سندانه إلا انزل معها قطرة من عرقه، و أحب الخياط الذي يخيط الأثواب بأسلاك مشتبكة بأسلاك من نور عينيه، و أحب النجار الذي لا يدق المسمار إلا إذا دفن معه شيئا من عزيمته.

و في قلبي حب عميق للراعي الذي يقود قطيعه كل صباح إلى المروج الخضراء، و يورده المناهل الصافية، و يناجيه بشبابته النهار بطوله.

أحب من الناس العامل لأنه يجدد أيامنا و ليالينا، و أحبه لأنه يطعمنا، أحبه لأنه يغزل و يحوك لنلبس الأثواب الجديدة، أحبه لأنه يبني المنازل العالية، و أحب ابتسامته الحلوة، و أحب نظرة الاستقلال و الحرية في عينيه.

و ماذا عساي أن أقول في من يكره العمل لخمول في جسده و روحه، و في من يأبى العمل لأنه يغني عن الربح، و في من يحتقر العمل متوهما انه أشرف من ان يلوث يديه بالتراب؟ ماذا عساي أقول في الذين يجلسون إلى مائدة الطعام، و لا يضعون عليها رغيفا من خبز جهادهم؟ ماذا أقول في الذين يحصدون من حيث لا يزرعون؟

لا أستطيع أن أقول كلمة في هؤلاء أكثر أو أقل مما أقول في النبات و الحشرات الطفيلية التي تستمد حياتها من عصير النبت العامل و دماء الحيوان.


جبران خليل جبران


أحب العاملين | جبران خليل جبران أحب الذي يشتغل بفكره فيبتدع من التراب صورا حية جميلة نافعة، و أحب ذلك الذي يجد في حديقة ورثها عن أبيه شجرة تفاح واحدة،   فيغرس إلى جانبها شجرة ثانية، و ذلك الذي يشتري كرمة تثمر قنطارا من العنب، فيعطف عليها و يدللها لتعطي قنطارين، و أحب الرجل الذي يتناول الأخشاب المهملة، فيصنع منها مهدا للأطفال، أو قيثارة للأنغام، و الرجل الذي يقيم الصخور التماثيل و المنازل و الهياكل.   أحب الذي يحول الطين إلى آنية زيت، أحب الذي يحوك من القطن قميصا و من الصوف جبة و من الحرير رداءا. و أحب الحداد الذي ما أنزل مطرقته على سندانه إلا انزل معها قطرة من عرقه، و أحب الخياط الذي يخيط الأثواب بأسلاك مشتبكة بأسلاك من نور عينيه، و أحب النجار الذي لا يدق المسمار إلا إذا دفن معه شيئا من عزيمته.   و في قلبي حب عميق للراعي الذي يقود قطيعه كل صباح إلى المروج الخضراء، و يورده المناهل الصافية، و يناجيه بشبابته النهار بطوله.   أحب من الناس العامل لأنه يجدد أيامنا و ليالينا، و أحبه لأنه يطعمنا، أحبه لأنه يغزل و يحوك لنلبس الأثواب الجديدة، أحبه لأنه يبني المنازل العالية، و أحب ابتسامته الحلوة، و أحب نظرة الاستقلال و الحرية في عينيه.   و ماذا عساي أن أقول في من يكره العمل لخمول في جسده و روحه، و في من يأبى العمل لأنه يغني عن الربح، و في من يحتقر العمل متوهما انه أشرف من ان يلوث يديه بالتراب؟ ماذا عساي أقول في الذين يجلسون إلى مائدة الطعام، و لا يضعون عليها رغيفا من خبز جهادهم؟ ماذا أقول في الذين يحصدون من حيث لا يزرعون؟   لا أستطيع أن أقول كلمة في هؤلاء أكثر أو أقل مما أقول في النبات و الحشرات الطفيلية التي تستمد حياتها من عصير النبت العامل و دماء الحيوان. جبران خليل جبران
أحب العاملين | جبران خليل جبران

No comments:

Post a Comment